منوعات

خواطر منتقاة .. من أفراح الروح



للشهيد .. سيد قطب ( رحمه الله )



( الخاطرة الأولى )

أختي الحبيبة … هذه الخواطر مهداة إليك …

إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء ، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة .

إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئا إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …

مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! …: كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار … الأمهات تحمل وتضع : الناس والحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج … كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد ! .

بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !…

لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشتا ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحا … ويندفع الناس والحيوان ، والطير والأسماك ، الدود والحشرات ، العشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء !… والموت قابع هنالك ينهش نهشتا ويمضي … أو يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !! .

الشمس تطلع ، والشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئا لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة …!.
من قوة الله الحي ..: تنبثق الحياة وتنداح !!.







عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة تبدأ من حيث بدأنا نعي
وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ..


أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لـ فكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة
تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ..


إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهمآ
فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا و لحظاتنا.


و ليست الحياة بعد السنين ، ولكنها بعداد المشاعر .


وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهما " هو في الواقع " حقيقة " أصح من كل حقائقهم !


لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي
ومتى أحس الإنسان شعورآ مضاعفا بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلا .


يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ..


إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين
نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية

0 التعليقات:

إرسال تعليق